-->
علاء الدين للمعلومات علاء الدين للمعلومات
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...
recent

المتحف المهجور بالقاهرة كشف لعنة القط الفرعوني وأسرار باستت المظلمة

 

المتحف المهجور بالقاهرة كشف لعنة القط الفرعوني وأسرار باستت المظلمة

في قلب القاهرة الصاخبة، حيث تتشابك خيوط التاريخ العريق بالحياة الحديثة، تكمن أسرار ومبانٍ تحمل في طياتها قصصًا منسية. وفي أحد أحيائها القديمة، يقف صرح مهيب، متحفٌ كان يومًا ما يزخر بالتحف الفنية، ليتحول مع مرور الزمن إلى مجرد هيكل مهجور، محاط بهالة من الغموض والأساطير التي تتناقلها الأجيال. هذا المكان بالذات كان القدر يدفع نحوه "عمر"، طالب الفنون الجميلة، الذي لم يكن يعلم أن بحثه عن الإلهام سيقوده إلى مواجهة لعنة قديمة تجسدت في "القط الفرعوني".

مقدمة البحث عن الإلهام في قلب القاهرة

كان "عمر" في أواخر العشرينيات من عمره، طالبًا موهوبًا في كلية الفنون الجميلة، يعيش حياة بسيطة في غرفته الصغيرة المليئة باللوحات الزيتية غير المكتملة، والفرش المتناثرة، ورائحة الألوان الزيتية التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياته. كان مشروعه النهائي يقترب، ولم يكن قد وجد بعد الشرارة التي تشعل إبداعه. كان يبحث عن شيء فريد، شيء يجمع بين شغفه بالفن وحبه للحضارة المصرية القديمة التي طالما ألهمته.

قضى عمر أيامه ولياليه في البحث، يتصفح كتب التاريخ والفنون، ويشاهد الوثائقيات عن الفراعنة وأسرارهم. وفي إحدى الليالي المقمرة، بينما كان يتصفح بعض المنتديات القديمة عن الأماكن المهجورة في القاهرة، عثر على إشارة عابرة لمتحف أثري مهجور في حي "الجمالية" التاريخي. تناثرت حوله بعض الشائعات الغامضة عن تحف نادرة لم يتم تصنيفها بعد، وعن أسرار منسية تنتظر من يكتشفها. كان هذا الوصف، بالإضافة إلى الإشارة إلى أن المكان يُعتقد أنه "مسكون" أو يحمل "طاقة غريبة"، كافيًا لإثارة فضول عمر. لم يكن يؤمن بالخرافات، لكن فكرة استكشاف مكان بهذا الغموض، ربما يجد فيه إلهامًا لمشروعه الفني، كانت مغرية جدًا. قرر أن يخاطر، وأن يتوجه إلى هذا المتحف المجهول في صباح اليوم التالي، مسلحًا بكاميرته ودفتر رسوماته، مستعدًا لتوثيق أي شيء قد يجده.

اكتشاف المتحف المهجور بوابة إلى المجهول

في صباح اليوم التالي، وبعد رحلة طويلة عبر شوارع القاهرة المزدحمة، وصل عمر إلى الحي القديم الذي يضم المتحف. كانت الشوارع ضيقة ومتعرجة، مبطنة بمبانٍ قديمة شاهقة تحمل آثار الزمن على جدرانها المتهالكة، ونوافذها الخشبية المزخرفة، وأبوابها الثقيلة التي تخفي حكايات لا تحصى. كان عبق التاريخ يفوح من كل زاوية، ممزوجًا بروائح التوابل والقهوة من المقاهي القديمة.

بعد بضع دقائق من التجوال في الأزقة المتشابكة، وصل عمر إلى مبنى ضخم مهجور، يتصدر المشهد بقبته الكبيرة التي تآكلت بفعل العوامل الجوية، وواجهته الأثرية التي يكسوها الغبار والعنكبوت. كانت البوابة الحديدية الضخمة التي تحمل نقوشًا فرعونية باهتة، مغلقة بسلسلة صدئة تثبت إهمالاً طويلاً. نظر عمر حوله، الشارع كان خاليًا إلا من بضع قطط ضالة تتجول بين القمامة. تأكد من عدم وجود أي حراس أو عمال، ثم بدأ يبحث عن طريقة للدخول. لحسن الحظ، كان هناك جزء من السور الخارجي أقل ارتفاعًا، تمكن من تسلقه بصعوبة، وهبط إلى ساحة المتحف الخلفية.

داخل المتحف، كان الجو ثقيلًا ومكتومًا، تشوبه رائحة العفن الترابي ورطوبة قديمة. لم يكن هناك ضوء كهربائي، لكن أشعة الشمس الخافتة كانت تتسلل من خلال النوافذ المحطمة في السقف والجدران، مضيفة جوًا من الغموض والرعب الهادئ. كانت الغرف مليئة بالغبار المتراكم، والأثاث مغطى بقطع قماش بالية، والتماثيل القديمة تقف بصمت كأنها حراس على أسرار المتحف. بدأ عمر بالتجول بين القاعات، يلتقط الصور لبعض اللوحات الباهتة وتماثيل الجرانيت، يسجل ملاحظاته في دفتره، لكنه لم يجد أي شيء يثير اهتمامه الفني بشكل خاص. كان المكان يبدو مجرد متحف عادي تعرض للإهمال، لا أكثر.

جاذبية القط الفرعوني بداية اللعنة

واصل عمر استكشافه، متوغلاً في الممرات الخلفية للمتحف، التي كانت أكثر ظلمة وبرودة. وصل إلى غرفة صغيرة شبه مظلمة، تقع في زاوية منعزلة. الغرفة لم تكن تحتوي على الكثير، لكن في مركزها، على قاعدة خشبية متآكلة، كان هناك تمثال لقط فرعوني مصنوع من البازلت الأسود اللامع. لم يكن مجرد تمثال عادي؛ كان منحوتًا بدقة مذهلة، يجسد رشاقة القطط ووقارها، لكن ما لفت انتباه عمر حقًا كان عيناه. كانت عينا القط مرصعتين بحجر كريم أخضر، يتوهج بخفة في الظلام، وكأن نورًا خفيًا ينبعث من أعماقهما.

اقترب عمر من التمثال، وشعر بجاذبية غريبة نحوه، وكأن هناك قوة خفية تدفعه للاقتراب أكثر. مد يده ببطء نحو التمثال، وأصابعه تكاد تلامس سطحه البارد. عندما لمس التمثال أخيرًا، شعر بوخزة خفيفة، أشبه بوخزة كهربائية، تسري في أصابعه ثم تنتشر في ذراعه. في نفس اللحظة، تردد في أذنيه صوت همس غير مفهوم، وكأنه لغة قديمة لا يمكن للعقل البشري فهمها. ارتعش عمر، وسحب يده بسرعة. اعتقد أنه مجرد تأثير الإجهاد أو الخوف، وأنه يتخيل الأمور. حاول أن يهدئ من روعه، وأخرج كاميرته لالتقاط بعض الصور للتمثال، علها تكون الشرارة الفنية التي يبحث عنها.

الغرفة السرية والقلادة الملعونة صحوة الشر

بينما كان عمر يلتقط الصور لتمثال القط الفرعوني، لاحظ وجود شق صغير في الجدار خلف التمثال، يبدو وكأنه حافة باب مخفي. دفعه الفضول مرة أخرى. بحث عن مقبض أو طريقة للفتح، لكنه لم يجد شيئًا. ضغط على عدة أماكن حول الشق، وبمحض الصدفة، أو ربما بتوجيه خفي، ضغط على حجر معين في القاعدة التي يرتكز عليها التمثال. فجأة، انزلق جزء من الجدار ببطء شديد، كاشفًا عن مدخل ضيق يؤدي إلى غرفة سرية.

دخل عمر الغرفة بحذر، مصباح هاتفه يضيء طريقه. كانت الغرفة أصغر وأكثر ظلمة من القاعات الأخرى، وتفوح منها رائحة بخور قديم ممزوجة برائحة الغبار المتراكم منذ قرون. الجدران كانت مغطاة بالنقوش الهيروغليفية التي بدت أكثر تفصيلاً وغرابة من تلك التي رآها في باقي المتحف. كانت الغرفة مليئة بالمخطوطات والبرديات القديمة المتناثرة على الرفوف، وبعض الجرار الفخارية التي بدت فارغة. في وسط الغرفة، على طاولة خشبية متآكلة، كانت هناك قلادة ذهبية، تتميز بتصميم فريد يمثل قطة فرعونية، وعيناها مرصعتان بحجر كريم أخضر مماثل لذلك الموجود في عيني تمثال القط البازلتي.

مد عمر يده نحو القلادة، وشعر ببرودة غريبة تسري في جسده عندما أمسك بها. كانت القلادة ثقيلة بشكل غير متوقع. في اللحظة التي التقط فيها القلادة، حدث شيء مرعب. انغلق الباب خلفه بقوة هائلة، مصدرًا صوت ارتطام مخيف. تبع ذلك انطفاء مفاجئ لضوء هاتفه، وغرقت الغرفة في ظلام دامس مطبق.

اللقاء الأول بالروح القديمة شبح كاهنة باستت

حاول عمر فتح الباب الموصد، لكنه كان مغلقًا بإحكام. بدأ الذعر يتسرب إلى قلبه. أدرك أنه ليس وحيدًا في هذه الغرفة. سمع صوت خطوات خفيفة، لكنها منتظمة، تقترب منه في الظلام. كانت خطوات رشيقة، خفيفة، كأنها خطوات قط كبير. شعر ببرودة قاسية، برودة لا يمكن تفسيرها، تلامس كتفه. حبس أنفاسه، وارتجف جسده بالكامل. ببطء شديد، استدار عمر نحو مصدر اللمسة، مستخدمًا ولاعته القديمة التي كان يحملها معه.

وبضوء الولاعة الخافت، رأى عمر ما جعله يتجمد في مكانه. أمام عينيه، كان يقف شبح امرأة. كانت ترتدي ثوبًا فرعونيًا أبيض اللون، بسيطًا لكنه ملكي، ينسدل على قوام نحيل. وجهها كان جميلاً بجمال غير بشري، لكن عينيها كانتا تتوهجان باللون الأخضر نفسه الذي رآه في تمثال القط والقلادة، عيونًا تخلو من أي مشاعر بشرية، نظرة باردة وقاسية.

تكلمت بصوت خافت، لكنه كان يحمل صدىً غريبًا، كأنه يتردد من أعماق الزمن "لم يكن يجب أن تأخذ القلادة أيها الفاني. لقد أطلقت لعنة قديمة. لعنة لن تعرف الهدوء حتى تحصل على مرادها."

تراجع عمر خطوات إلى الوراء، قلبه ينبض بعنف كالمطرقة. "أنا آسف!" صرخ بصوت مرتجف. "لم أكن أعلم! سأعيدها فورًا! أرجوكِ، افتحي الباب!"

هزت الشبح رأسها ببطء، وعيناها الخضراوان تضيئان في الظلام. "لقد فات الأوان. الروح المستيقظة لن تهدأ حتى تحصل على ما تريد. الثمن قد تحدد."

الفرار من الكوابيس المتحف يطارد عمر

مع كلمات الشبح الأخيرة، بدأت الجدران المحيطة بعمر تنبض بكتابات هيروغليفية مضيئة، وكأنها حياة تدب في الأحجار القديمة. لم تكن مجرد نقوش؛ كانت تتحرك وتتراقص بطريقة مخيفة. ثم، سمع صوتًا. صوت مواء حاد، تلاه مواء آخر، ثم ثالث ورابع، قادمة من كل مكان في الغرفة، تتزايد في حدتها لتصبح صرخات قطط برية مفزعة.

لم تكن مجرد أصوات. بدأت الظلال في الغرفة تتشكل، لتتحول إلى عشرات القطط السوداء الضخمة، عيونها تتوهج باللون الأخضر نفسه الذي يميز الشبح والتمثال والقلادة. كانت القطط تحيط به من جميع الجهات، تتقدم نحوه ببطء، أصوات مواءها تزداد حدة. حاول عمر البحث عن مخرج، ركض نحو الباب المغلق، ثم نحو النوافذ المحطمة، لكن كلما حاول، وجد طريقًا مسدودًا.

في لحظة يأس، وجد فتحة صغيرة في الجدار المقابل، بدا وكأنها مدخل لممر سري آخر. اندفع نحوه، والقطط تطارده. بدأ يركض بجنون في الممرات المتعرجة للمتحف، الأصوات تزداد حدة، والظلال تلاحقه. كان يسمع أصوات مواء قريبة، وكأن القطط تتبعه خطوة بخطوة، مع كل منعطف، كان يجد نفسها محاطًا بالظلال المتراقصة.

وصل عمر إلى قاعة كبيرة، كانت مختلفة عن باقي قاعات المتحف. كانت تحتوي على مرآة ضخمة تغطي جدارًا كاملاً، إطارها مزخرف بنقوش فرعونية متقنة. اندفع نحو المرآة، وعندما نظر إليها، لم يرَ انعكاسه. بدلًا من ذلك، رأى مشهدًا من مصر القديمة، مشهدًا نابضًا بالحياة كهنة يرتدون أزياء قديمة، يتجمعون حول تمثال ضخم لقط فرعوني (يشبه التمثال الذي رآه)، وهم يقومون بطقوس غامضة، يضعون قلادة ذهبية (تشبه القلادة التي يحملها) على عنق التمثال، ويرددون تعويذات غريبة. أدرك عمر في تلك اللحظة أن القلادة التي يحملها ليست مجرد قطعة أثرية، بل هي مفتاح لشيء أكبر بكثير، شيء يرتبط بعمق بهذا المتحف.

لعنة القط الفرعوني واقع جديد لعمر

تذكر عمر قصصًا قرأها في كتب علم المصريات عن الإلهة "باستت"، إلهة القطط، والحماية، والخصوبة، والموسيقى في الميثولوجيا المصرية القديمة. فهم أن القلادة هي جزء من طقس استدعاء أو تكريس لباستت، وأن لمسه لها قد أيقظ قوة قديمة، أو ربما روح كاهنة كانت مكرسة لهذه الإلهة. قرر أنه يجب أن يحاول التواصل مع هذه القوى، وأن يطلب المغفرة، أو على الأقل أن يفهم ما يجب عليه فعله.

عاد إلى الغرفة السرية، والقلادة ما زالت في يده. وضعها بحذر على الطاولة الحجرية، ثم بدأ يتلو بعض الكلمات التي تذكرها من النقوش المضيئة على الجدران، كلمات ظن أنها قد تكون جزءًا من دعاء أو تعويذة "يا باستت، إلهة النور والحماية، يا من تحرسين الأرواح وتمنحين الصفاء، أطلب رحمتك واغفري لي خطأي. لم أقصد سوءًا."

تردد صدى كلماته في المكان، وبدأت الأضواء الخضراء المنبعثة من النقوش تخفت تدريجيًا. صوت المواء توقف، والقطط السوداء تلاشت كأنها ظلال في الضوء. عاد الهدوء إلى المكان مرة أخرى، لكنه كان هدوءًا مشوبًا بترقب مخيف.

فجأة، بدأت الغرفة تتوهج بضوء أخضر ناعم. وظهرت الإلهة "باستت" بشكلها المهيب، نصف إنسان ونصف قط، بعيون ذهبية متوهجة، وهالة من القوة والقدسية تحيط بها. لم تكن مخيفة هذه المرة، بل كانت تحمل نظرة حكيمة وعميقة.

"لقد أظهرت شجاعة وندمًا حقيقيًا، أيها الفتى،" قالت بصوت دافئ ورخيم. "لم يكن يجب أن تعبث بما لا تفهم. لكنك تداركت خطأك وطلبت المغفرة. سيتم منحك فرصة واحدة. أعد القلادة إلى مكانها الصحيح، وسوف ترفع اللعنة عنك."

وبنهاية كلماتها، اختفت الإلهة، وعاد الهدوء التام إلى المكان. الأبواب فتحت ببطء، وكأنها تدعوه للخروج. خرج عمر من المتحف، والشمس قد أشرقت، تاركًا خلفه رائحة البخور العتيق. شعر بثقل هائل قد زال عن كاهله، وكأن روحًا ثقيلة قد انفصلت عنه. لكن عندما نظر إلى يده، وجد القلادة ما زالت معه. ارتبك، لكنه قرر الاحتفاظ بها كذكرى للتجربة التي لا تُنسى.

الدكتور محمود بصيص أمل في الظلام

عاد عمر إلى منزله، منهكًا جسديًا ونفسيًا. حاول العودة إلى حياته الطبيعية، لكن تجربة المتحف المهجور كانت قد غيرته إلى الأبد. بدأ برسم لوحة مستوحاة من تجربته، لوحة تجسد الإلهة "باستت" بملامحها المهيبة، والقط الفرعوني بعينيه المتوهجتين، والرموز القديمة التي رآها على جدران الغرفة السرية. أصبحت لوحته تحفة فنية فريدة، نالت إعجاب أساتذته وزملائه، لكنها لم تكن مجرد فن، بل كانت مرآة لتجربة حقيقية مرعبة.

لكن الأمور لم تنتهِ هنا. بدأت أحداث غريبة تحدث في منزله. أشياء تتحرك من تلقاء نفسها، أقلام تتطاير، أبواب تُفتح وتُغلق. في الليالي، كان يسمع أصوات مواء خافتة، وكأن قططًا غير مرئية تتجول في غرفته. رأى ظلال قطط تظهر وتختفي في زوايا الغرفة، تلمع عيونها باللون الأخضر في الظلام. أدرك عمر أن اللعنة لم تنتهِ بعد، وأن القلادة التي يحتفظ بها كانت مصدر هذه الظواهر.

قرر عمر أن يطلب المساعدة. تذكر "الدكتور محمود"، أستاذ في علم المصريات القديمة في جامعة القاهرة، وصديق قديم لوالده. كان الدكتور محمود شخصًا مرموقًا في مجال الأثريات، ومعروفًا بعمق معرفته ليس فقط بالتاريخ، بل أيضًا بالخرافات والطقوس المصرية القديمة، التي كان يعتبرها جزءًا لا يتجزأ من النسيج الثقافي للحضارة.

ذهب عمر لزيارة الدكتور محمود في مكتبه، وهو مكتب يعج بالكتب والمخطوطات الأثرية وتماثيل الآلهة القديمة. قص عليه عمر ما حدث بالتفصيل، من بداية ذهابه إلى المتحف المهجور، مرورًا بلمس التمثال، واكتشاف القلادة، واللقاء بالشبح والقطط السوداء، وانتهاءً بظهور الإلهة باستت. أراه القلادة الذهبية التي كانت لا تزال في حوزته.

تفحص الدكتور محمود القلادة بقلق واضح، وشعر بها جسر بارد يخترق جسده. "يا إلهي، عمر!" قال الدكتور محمود بصوت خفيض. "هذه ليست مجرد قطعة أثرية عادية. هذه القلادة ترتبط بطقوس قديمة جدًا لاستدعاء الأرواح، أو لربط روح كاهن أو كاهنة بخدمة إله معين. يبدو أنك أيقظت روحًا كانت مكلفة بحماية هذه القلادة والمكان الذي تنتمي إليه. لم ترفع اللعنة بالكامل، بل تم تخفيفها لتمنحك فرصة لإعادة التوازن. يجب أن نعيدها إلى مكانها الأصلي."

سأله عمر بقلق بالغ "وكيف نفعل ذلك يا دكتور؟ أين هو مكانها الأصلي؟"

أجاب الدكتور محمود، وعيناه تلمعان بمعرفة عميقة "مكانها الأصلي يجب أن يكون معبد باستت الرئيسي في مدينة بوباستيس القديمة. هذه المدينة كانت عاصمة الإلهة باستت ومركز عبادتها. على الرغم من أن المعبد الآن مجرد أطلال، إلا أن الطاقة الروحية للمكان لا تزال قائمة. هناك فقط يمكننا أداء الطقوس اللازمة لفك هذه اللعنة تمامًا وإعادة القلادة إلى مكانها الأبدي."

رحلة إلى بوباستيس كشف الأسرار المدفونة

وبدون تردد، انطلق عمر والدكتور محمود في رحلة إلى موقع مدينة بوباستيس القديمة، التي تقع الآن بالقرب من مدينة الزقازيق الحديثة في دلتا النيل. كانت الرحلة طويلة ومحفوفة بالترقب. تحدث الدكتور محمود على طول الطريق عن تاريخ باستت، وكيف كانت تُعبد كحامية للمنازل، وللنساء الحوامل، وكإلهة للموسيقى والفرح، لكنها في نفس الوقت كانت تحمل جانبًا شرسًا كـ"باستت المنتقمة" التي تحمي الفراعنة وتنتقم من أعدائهم. شرح لعمر أن القلادة على الأرجح كانت جزءًا من طقس مكرس لكاهنة رفيعة المستوى لباستت، وأن روح الكاهنة هذه هي من يحاول استعادة القلادة، أو ضمان عودتها إلى مكانها الصحيح.

عند وصولهما، وجدوا أن الموقع الأثري كان عبارة عن مساحة شاسعة من الرمال والنباتات البرية، تتخللها بقايا جدران حجرية متآكلة، وأعمدة مهدمة، وممرات كانت ذات يوم تعج بالمصلين. كان المكان هادئًا بشكل مخيف، لكنه كان ينبض بوجود تاريخي لا يمكن إنكاره. توجهوا نحو ما كان يعتقد أنه القاعة الرئيسية لمعبد باستت، والتي كانت الآن مجرد ساحة مفتوحة محاطة بأعمدة نصف مهدمة، ومذبح حجري متصدع في المنتصف.

كانت الشمس تغرب، تلقي بظلال طويلة على الآثار، وتضيف جوًا من المهابة للمكان. حمل الدكتور محمود حقيبة صغيرة تحتوي على بعض الأدوات الأثرية، وبعض الأعشاب والبخور التي تستخدم في الطقوس القديمة. وصلوا إلى المذبح المتصدع، وكان عمر يشعر ببرودة متزايدة رغم دفء الجو.

طقوس الخلاص مواجهة إلهة القطط

أخرج الدكتور محمود مخطوطة قديمة من حقيبته، وبدأ يتلو منها تعاويذ بلغة هيروغليفية قديمة. كان صوته قويًا وثابتًا، يتردد صداه في المكان. طلب من عمر أن يضع القلادة على المذبح المتصدع. عندما وضع عمر القلادة، اهتز المكان كله، وكأن الأرض نفسها تستجيب للطقوس. هبت رياح قوية بشكل مفاجئ، رغم سكون الجو، وحملت معها حبات الرمل في دوامات صغيرة.

وبينما كان الدكتور محمود يواصل التلاوة، ظهرت الإلهة "باستت" مرة أخرى في وسط القاعة. هذه المرة، كانت هيئتها أكثر وضوحًا وقوة، لكنها لم تكن مخيفة. كانت تظهر بشكلها الكامل، نصف امرأة ذات رأس قط، بعيون ذهبية صافية تشع منها قوة عظيمة. كانت ترتدي رداءً ملكيًا وتجلس على عرش من الضوء.

"لقد أعدت التوازن، أيها الفتى،" قالت الإلهة بصوتها العميق والرخيم الذي اخترق عقل عمر وقلبه. "لقد أوفيت بوعدك، وتم فك الرباط الذي كان يقيد روح الكاهنة. القلادة عادت إلى مكانها الصحيح. سيتم رفع اللعنة عنك وعن منزلك. لكن تذكر، الفضول قد يكون خطيرًا، والعبث بأسرار الأجداد قد يؤدي إلى عواقب وخيمة. حافظ على احترامك للقديم، ولا تسعى لفتح أبواب يجب أن تظل مغلقة."

وبنهاية كلماتها، بدأت الإلهة باستت تتوهج بضوء ذهبي، ثم تلاشت ببطء شديد، كأنها امتزجت بضوء الغروب الذي يلف المكان. عادت الرياح إلى سكونها، وتوقفت الاهتزازات. عاد الهدوء التام إلى المعبد، لكنه كان هدوءًا مفعمًا بالسكينة والراحة.

عودة الهدوء درس لا يُنسى

شعر عمر براحة لم يشعر بها منذ أسابيع. شعر وكأن ثقلًا كبيرًا قد أزيح عن كاهله، وكأن روحه قد تحررت. نظر إلى الدكتور محمود الذي كان يبتسم له بامتنان وفخر. كانت الشمس قد غربت تمامًا، ولف الظلام المكان، لكن هذه المرة، لم يكن هناك خوف.

عاد عمر إلى منزله في القاهرة. في الليالي التالية، لم تعد الأصوات الغريبة تتردد في شقته. اختفت ظلال القطط السوداء، ولم تعد الأشياء تتحرك من تلقاء نفسها. اللعنة قد رُفعت بالكامل. استمر في رسمه، وأصبحت لوحاته أكثر نضجًا وعمقًا، تحكي قصصًا عن الحضارة المصرية القديمة بلمسة من السحر والغموض. أصبحت لوحاته مشهورة، وعرضت في معارض فنية كبيرة، وجذبت النقاد والجمهور على حد سواء.

لكن عمر لم ينسَ الدرس الذي تعلمه. أصبح أكثر حذرًا في بحثه عن الإلهام، وأكثر احترامًا لأسرار الحضارات القديمة. أدرك أن بعض الأسرار يجب أن تبقى مدفونة في أعماق التاريخ، وأن الفضول، مهما كان بريئًا، قد يفتح أبوابًا إلى عوالم لا يمكن للعقل البشري استيعابها.

همسات من الماضي عين تراقب من بعيد

في إحدى الليالي الباردة، بعد سنوات عديدة من تلك التجربة المروعة، بينما كان عمر يتأمل النجوم من نافذة غرفته المطلة على أضواء القاهرة المتلألئة، شعر بنسمة هواء باردة خفيفة، رغم أن النافذة كانت مغلقة. رفع عينيه نحو السماء، وفي لحظة خاطفة، رأى عينين خضراوين تلمعان في الظلام، بعيدًا، كأنها تراقبه من بين النجوم.

ابتسم عمر ابتسامة هادئة. لم يعد يخاف. عرف أن الإلهة باستت كانت تراقبه، ليس كتهديد، بل كتذكير. تذكره بأن جزءًا منه أصبح مرتبطًا بتلك الأسرار القديمة. عرف أنه أصبح جزءًا من قصة أقدم بكثير مما كان يتخيل، قصة ستبقى خالدة في أعماله الفنية، وفي قلبه، كتذكير دائم بأن العالم يحمل في طياته ما هو أبعد من مجرد الواقع المادي، وأن بعض الأبواب، حتى لو أغلقت، قد تترك أثرًا لا يمحى.


إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

علاء الدين للمعلومات

2016