البرومو للقصة
القصة بالفيديو
كانت تلك البرودة القاسية أول ما
يلفني كل ليلة، تخترق الغرفة بأكملها، لكنني كنت أشعر بمصدرها الحقيقي: إنها تتسلل
من أعماق خزانة ملابسي الخشبية الضخمة. برودة غير طبيعية، لا يمكن تبريرها بدرجة
حرارة الغرفة، ممزوجة برائحة عفن قديم وصدأ، وكأنها تأتي من مقبرة مغلقة منذ قرون.
انتقلت مؤخرًا إلى هذه الشقة العتيقة في حي شعبي قديم، قاطعًا وعوداً لنفسي بتجاهل
كل "قصص الأشباح" و"البيوت المسكونة" التي يرويها الجيران
بنبرة غامضة ومحذرة. لكن الخزانة، تلك الخزانة التي بدت عادية في البداية، بدأت
تكسر كل وعودي، وتدفعني نحو حافة "الجنون".
في البداية، كانت الظواهر بسيطة،
مجرد "همسات" خافتة، كأنها أنين رقيق أو تنهدات مكتومة، تأتيني منها في
منتصف الليل. لم أكن أستطيع تمييز الكلمات، لكن الصوت كان بشرياً بشكل مخيف.
ظننتها مجرد صرير للخشب القديم الذي يتمدد وينكمش مع تغير الحرارة، أو وهماً من
تعب العمل والأرق الذي بدأ يتسلل إلى حياتي. لكن سرعان ما تطورت هذه الظواهر
الغامضة. كنت أستيقظ كل صباح لأجد ملابسي ملقاة على الأرض، بعضها ممزق قليلاً، مع
أنني تركتها مرتبة بدقة داخل الخزانة قبل النوم. أحياناً، كنت أجد أشياء غريبة
داخل الخزانة، ألعاب أطفال قديمة مغطاة بالغبار، أو قصاصات ورق صفراء عليها كتابات
غير مفهومة، لم أرها من قبل في حياتي. هذه الأشياء كانت تختفي في الصباح لتظهر في
ليلة أخرى، وكأنها قطع أحجية متناثرة.
بدأ "الرعب النفسي" يتسلل
إلى كياني ببطء وثبات. فقدت شهيتي للطعام، وتوقفت عن النوم بشكل كامل. كلما أغمضت
عيني، رأيت خزانتي تفتح ببطء، وتخرج منها "ظلال" تتحرك في الظلام، كأن
"شبحاً" يتلوى في الأعماق. شعرت بوجود مراقب، شيء ما، كائن غامض يشاركني
غرفتي، يسكن خزانتي، ويهمس باسمي في الظلام بأصوات باردة تجمد الدم. الأرق أصبح
رفيقي الدائم، أتجول في الشقة كالمجنون، أبحث عن مصدر "الخوف" الذي
يلاحقني، لكنه كان دائماً يعود إلى تلك الخزانة الملعونة.
ذات ليلة، بعد كابوس مرعب أيقظني
بصرخة مكتومة في حلقي، استيقظت على صوت صرير قوي قادم من زاوية الغرفة. كانت
الخزانة مفتوحة جزئياً، وكأنها تدعوني للدخول إلى عالمها المظلم. اندفعت منها
"برودة غريبة" شلت حركتي تماماً، لم أستطع أن أتحرك أو أن أصرخ. لم أعد
أرى مجرد ظل هذه المرة، بل لمحت شيئاً باهتاً، كائناً شفافاً يرتدي ثوباً قديماً
بالياً، يتحرك في الظلام ببطء نحو الجدار الخلفي للخزانة. لم يكن يملك ملامح
واضحة، كان مجرد هيئة شفافة، لكنني شعرت بأسى عميق ينبعث منه، حزناً لا يوصف، وكأن
هذا الكيان الضائع يعاني منذ زمن بعيد. لم يكن مخيفاً بقدر ما كان حزيناً ومحاصراً.
تغلبت على خوفي، مدفوعاً بفضول ممزوج
باليأس ورغبة في معرفة الحقيقة وراء هذا الرعب. فتحت باب الخزانة بالكامل. الرائحة
العفنة اشتدت لدرجة لا تُطاق، والبرودة كادت تجمد دمي في عروقي. لم يكن هناك شيء
أراه سوى الملابس المعلقة. لكن عندما مددت يدي نحو الجدار الخلفي للخزانة، شعرت
بشيء صلب، مكان غير طبيعي. خلف الألواح الخشبية القديمة والمفككة، وجدت
"أسراراً خفية": تجويفاً سرياً.
ما وجدته هناك لم يكن كنزاً، بل كان
دليلاً صادماً على مأساة مدفونة. كانت هناك بعض الأوراق البالية، رسالة قديمة
ممزقة، وصورة صغيرة لطفل بعينين حزينتين بشكل لا يصدق. كانت الرسالة الممزقة، التي
استطعت أن أجمع أجزاءها، تتحدث عن جريمة قتل بشعة، عن إخفاء جسد الطفل
"سالم" داخل هذه الخزانة، وعن روح "معلقة" تبحث عن العدالة.
لقد كان "الشبح الذي يسكن خزانتي" هو روح هذا الطفل المسكين، الذي لم
يُسمع صوته قبل وفاته، ولم يُعثر على جسده، فأصبحت الخزانة سجنه الأبدي ومرقده
الوحيد، وحاملة لسر "الوحش المختبئ" الذي أنهى حياته.
منذ تلك الليلة، لم تتوقف الأحداث
بالكامل، لكنها تغيرت بشكل جذري. لم تعد الكوابيس تلاحقني، بل أصبحت رؤى واضحة،
أرى فيها لقطات متقطعة من حياة الطفل سالم، ومعاناته، وكأن روحه تتواصل معي لتطلب
الرحمة. لم يكن الشبح يفعل شيئاً لي سوى أن يصرخ بصمت. كان يحاول أن يروي قصته.
تلك الخزانة لم تعد مجرد مكان لتخزين
الملابس. إنها بوابة لـ"واقع وخيال" يختلطان ببعضهما، شاهد حي على جريمة
قديمة، ومأوى لروح طفل لا تزال تبحث عن العدالة في هذا العالم المليء بالأسرار.
والآن، أنا أعيش مع هذا السر الثقيل. ماذا يفعل الشبح في خزانتي؟ إنه يذكرني كل
يوم بأن بعض الأرواح لا ترقد بسلام، وأن "الخوف" الحقيقي قد يكون في
الحقائق المدفونة التي نكتشفها في أغرب الأماكن. فهل أنت مستعد لمواجهة أسرار
خزانة منزلك؟
إرسال تعليق